أسباب نقص فيتامين د عند الرجال

أسباب نقص فيتامين د عند الرجال

يُعد فيتامين د من الفيتامينات الحيوية التي تلعب دوراً محورياً في الحفاظ على صحة العظام والعضلات والجهاز المناعي، فضلاً عن تأثيره المباشر في الوقاية من العديد من الأمراض المزمنة مثل السكري، وأمراض القلب، وبعض أنواع السرطان. يُعرف فيتامين د بأنه “فيتامين الشمس” لأن الجسم يصنعه طبيعياً عند تعرض الجلد للأشعة فوق البنفسجية، إلا أن نقصه أصبح مشكلة صحية شائعة بشكل مقلق في مختلف أنحاء العالم، خصوصاً بين الرجال في المراحل العمرية المختلفة. ويعود هذا النقص إلى مجموعة من الأسباب المعقدة والمتداخلة، تتفاوت بين نمط الحياة والعوامل البيئية والفسيولوجية والمرضية.

في هذا المقال، نستعرض بشكل موسع ومفصل أبرز الأسباب التي تؤدي إلى نقص فيتامين د عند الرجال، مع التركيز على الخلفيات العلمية لكل سبب وتأثيراته المحتملة على صحة الرجل.

أولاً: قلة التعرض لأشعة الشمس

يُعد التعرض المحدود لأشعة الشمس العامل الأكثر شيوعاً في نقص فيتامين د. فالجلد ينتج الفيتامين عند تعرضه للأشعة فوق البنفسجية B، ولكن هناك عدة ظروف تقلل من هذا الإنتاج لدى الرجال، منها:

• العمل في الأماكن المغلقة: أغلب الرجال يعملون لساعات طويلة في المكاتب أو المصانع، ما يقلل من فرص التعرض اليومي لأشعة الشمس.

• العيش في مناطق جغرافية ذات شتاء طويل أو غائم: في المناطق ذات خطوط العرض العالية، تكون أشعة الشمس غير كافية لتصنيع الفيتامين لفترات طويلة من السنة.

• استخدام الواقيات الشمسية باستمرار: الحماية المفرطة من الشمس باستخدام الكريمات ذات معامل حماية عالٍ يمنع امتصاص الأشعة فوق البنفسجية اللازمة لتكوين فيتامين د.

• ارتداء الملابس الثقيلة أو المغلقة في الأماكن العامة: في بعض المجتمعات، يرتدي الرجال ملابس طويلة تغطي معظم أجزاء الجسم، ما يعيق امتصاص الأشعة اللازمة.

ثانياً: التقدم في العمر

مع التقدم في العمر، تقل قدرة الجلد على إنتاج فيتامين د، وتصبح الكلى أقل كفاءة في تحويل الفيتامين إلى شكله النشط (كالسيتريول). وهذا يجعل كبار السن من الرجال عرضة أكبر لنقصه، حتى مع وجود تعرّض جزئي لأشعة الشمس.

ثالثاً: السمنة وزيادة كتلة الجسم

الدهون الزائدة في الجسم تُخزن فيتامين د وتحدّ من إطلاقه في الدورة الدموية. وهذا يعني أن الرجال الذين يعانون من السمنة أو زيادة الوزن يكون لديهم فيتامين د أقل فعالية، حتى لو كانت مستويات التخزين الإجمالية جيدة. الأنسجة الدهنية تعمل كمخزن غير نشط للفيتامين، مما يجعل الجسم غير قادر على استخدامه بفعالية.

رابعاً: أمراض الجهاز الهضمي واضطرابات الامتصاص

فيتامين د من الفيتامينات الذائبة في الدهون، وبالتالي فإن امتصاصه من الطعام أو المكملات الغذائية يتأثر بحالة الجهاز الهضمي. وتوجد العديد من الحالات المرضية التي تقلل امتصاصه عند الرجال، ومنها:

• داء كرون والتهاب القولون التقرحي

• مرض السيلياك (التحسس من الغلوتين)

• أمراض الكبد المزمنة

• نقص الأنزيمات الصفراوية أو مشكلات البنكرياس

كل هذه الاضطرابات تؤثر على امتصاص الدهون، وبالتالي تقلل من امتصاص فيتامين د.

خامساً: قلة تناول المصادر الغذائية لفيتامين د

رغم أن الغذاء ليس المصدر الأساسي لفيتامين د، إلا أن انخفاض تناول الأطعمة الغنية به يساهم في تفاقم النقص، خصوصاً لدى الرجال الذين لا يتعرضون للشمس بشكل كافٍ. ومن بين هذه الأطعمة:

• الأسماك الدهنية مثل السلمون والماكريل والسردين

• كبد البقر

• صفار البيض

• الأطعمة المدعمة مثل الحليب والعصائر وحبوب الإفطار

الاعتماد على نظام غذائي فقير بالمصادر الطبيعية أو المدعمة لهذا الفيتامين يزيد من خطر النقص.

سادساً: لون البشرة الداكن

الرجال ذوو البشرة الداكنة (مثل ذوي الأصول الإفريقية أو جنوب آسيوية أو العربية) يمتلكون نسبة أعلى من صبغة الميلانين، التي تقلل من قدرة الجلد على إنتاج فيتامين د عند التعرض لأشعة الشمس. ولذلك، هم بحاجة إلى فترات أطول من التعرض للشمس مقارنةً بذوي البشرة الفاتحة.

سابعاً: أمراض الكلى المزمنة

الكلى تلعب دوراً أساسياً في تحويل فيتامين د إلى شكله النشط، والذي يمكن للجسم استخدامه. وعند وجود أمراض مزمنة في الكلى، فإن هذا التحويل يصبح غير فعال، حتى لو كانت مستويات الفيتامين الكلية طبيعية. وهذا السبب شائع بين الرجال المصابين بالفشل الكلوي أو الذين يخضعون لغسيل الكلى.

ثامناً: تناول أدوية تقلل من امتصاص أو فاعلية فيتامين د

بعض الأدوية الشائعة التي يتناولها الرجال قد تؤثر بشكل مباشر على امتصاص أو أيض فيتامين د، ومن هذه الأدوية:

تاسعاً: التدخين

تشير الدراسات إلى أن التدخين يؤثر سلباً على استقلاب فيتامين د، كما أن النيكوتين قد يتداخل مع مستقبلات الفيتامين في الجسم، ما يؤدي إلى تقليل تأثيره حتى في حال وجود كميات مناسبة في الدم.

عاشراً: المشكلات الهرمونية

تلعب الهرمونات الجنسية مثل التستوستيرون دوراً في تعزيز امتصاص فيتامين د وتحفيز مستقبلاته في الخلايا. وعند انخفاض التستوستيرون – كما هو الحال في بعض حالات قصور الغدد التناسلية – فإن ذلك يؤدي إلى انخفاض مستويات الفيتامين أو ضعف فعاليته في الجسم.

الحادي عشر: العوامل الوراثية

بعض الرجال يعانون من طفرات أو تغيرات جينية في مستقبلات فيتامين د، أو في الإنزيمات المسؤولة عن استقلابه، مما يجعل أجسامهم غير قادرة على استخدام الفيتامين بكفاءة، حتى وإن كانت مستوياته الكلية طبيعية أو مقبولة.

الثاني عشر: نمط الحياة غير الصحي

قلة الحركة والنشاط البدني، والنوم غير المنتظم، والتوتر المزمن، وسوء التغذية جميعها عوامل تؤثر على التوازن الهرموني العام في الجسم وتضعف من قدرة الخلايا على استخدام فيتامين د. كما أن نمط الحياة غير المتوازن يساهم في ضعف جهاز المناعة، الذي يتأثر بشكل مباشر بمستويات الفيتامين.

الثالث عشر: نقص في إنتاج البروتينات الحاملة للفيتامين

فيتامين د في الدم لا يكون حراً، بل يكون مرتبطاً ببروتين يسمى “فيتامين د-بيندينغ بروتين” (Vitamin D Binding Protein). عند انخفاض إنتاج هذا البروتين، كما في بعض أمراض الكبد أو الحالات الوراثية، لا يتم نقل الفيتامين بكفاءة إلى الأنسجة، مما يؤدي إلى نقصه الوظيفي في الجسم.

الخاتمة العلمية

نقص فيتامين د عند الرجال ليس حالة بسيطة ولا يُمكن تجاهلها، فهو انعكاس لمجموعة معقدة من العوامل التي تتداخل فيها الظروف البيئية، والوراثية، والسلوكية، والفيزيولوجية. الوعي بهذه العوامل يُعد الخطوة الأولى للوقاية والعلاج، كما أن تشخيص النقص وعلاجه يتطلب فهماً شاملاً لكل هذه الأسباب لضمان استعادة التوازن الحيوي للجسم.

المراجع:

1. Holick, M.F. (2007). Vitamin D deficiency. New England Journal of Medicine, 357(3), 266–281.

2. Institute of Medicine (US) Committee to Review Dietary Reference Intakes for Vitamin D and Calcium. Dietary Reference Intakes for Calcium and Vitamin D. National Academies Press, 2011.